الأحد، 13 يونيو 2010

أثر الأزمة المالية على دول الشرق الأوسط

عد أن كتب المحللون عن أزمة المال العالمية، وجال الباحثون في محاولات فهم جذور المشكلة وآثارها الاقتصادية فإن تداعيات هذه الأزمة وإرهاصاتها على منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا لم تلق من التحليل ما يكفي ولكن ما هو متفق عليه هو أن الأزمة الحالية أدت إلى كساد عالمي كبير سيكون الخروج منه بطيئاً وأن منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا ستكون من المناطق الأقل تأثراً بهذه الأزمة على المدى القريب والمتوسط.

استثناء دول المنطقة من أثر الأزمة الحالي مبني على عدة عوامل، أحد أهمها هو عدم وجود المخاطر المالية في المنطقة وذلك لمحدودية استخدام مصارف والمؤسسات المالية للأدوات المالية في تعاملاتها وعدم وجود مصارف استثمارية محضة في بعض الدول كالأردن.

كما ان السياسات النقدية والمالية التحوطية في هذه الدول قلل من انكشافها على الأسواق المالية العالمية وبالتالي حمى المصارف في المنطقة من الإفلاس. بل يعتقد بعض المحللين ونتفق معهم كليا، كما وضحنا سابقا، أن دولاً كالأردن، وهي من الدول المستوردة وغير المصدرة للنفط، ستتأثر ايجابياً بانخفاض أسعار النفط، وتدفق الودائع إليها لأنها من الدول الأكثر تحوطاً وجمودا في مجال السياسة النقدية ولأن ارتفاع سعر الدولار سيمكنها من الانتاج بكلف أقل نتيجة ارتباط عملتها بالدولار الذي يواجه موجة صعود بالنسبة للعملات الصعبة الأخرى المنافسة كاليورو.

وعلى الرغم من التوقعات الايجابية للمدى القصير والمتوسط فإن أثر هذه الأزمة على المدى البعيد سيترجم إلى انخفاض في استهلاك النفط وبالتالي تراجع أسعاره مما سيقلل من دخل الدول النفطية ويخفض من حجم الاستثمارات في الدول الأكثر استقبالاً للاستثمار كالسعودية والإمارات، بينما لن تتأثر سلبا دول كالأردن، أحدى أقل دول المنطقة تلقيا لهذه الاستثمارات.

وفي ظل تواجد انتقائية أعلى بحثاً عن الملاذ الآمن لرؤوس الأموال فإن دولاً تتميز بالاستقرار المالي كالأردن ستكون أكثر جذباً للاستثمارات الباحثة عن وعاء أمين لمدخراتها سيعتمد هذا التوقع على مدى سرعة وكفاءة القائمين على إدارة الاقتصاد في الأردن بالإعلان عن ميزات السوق الأردنية والترويج لها عربياً وخليجياً.

أثر الأزمة المالية على دول الخليج

رغم مما يعتقده البعض، كان الأثر مباشرا للأزمة المالية على دول الشرق الأوسط قليل جداً نتيجة محدودية انكشاف المنطقة للبنوك الأوروبية والأميركية وشبه انغلاق النظم المالية باستثناء دول الخليج العربي بخاصة الإمارات والسعودية وقطر.

فدول الخليج نتيجة انفتاحها على البنوك العالمية التي أدخلت تدفقات رأسمالية ضخمة إلى المنطقة خلال سنوات الطفرة النفطية ستراجع حساباتها وبسرعة، بخاصة وأن بعض هذه التدفقات التي جاءت من قبل مستثمرين غامروا اعتمادا على قيام دول الخليج برفع سعر صرف عملاتها في ظل ضعف الدولار ستسحب، لأن عملات هذه الدول باستثناء الكويت لم يتم مراجعة أسعار ربطها، في الوقت الذي ارتفع فيه سعر الدولار وزادت حاجة هذه البنوك والمغامرون على المدى القصير إلى السيولة لتغطية خسائرهم فسحبوا ما يستطيعون من استثمارات قصيرة الأمد في الخليج، مما خفض السيولة في النظام المصرفي الخليجي وأدى إلى تردي معدلات نمو الايداعات بالنسبة إلى القروض وتقليل الائتمان للقطاع الخاص وارتفاع أسعار الإقراض بين البنوك.

أدى ذلك أيضاً إلى ارتفاع سعر الفوائد على الودائع لتحفيز الإيداعات الخاصة وبالتالي، ما سبب هبوط أسواق الأسهم فيها لتخسر هذه الأسهم أكثر من 50% من قيمها، باعتبار السوق المالية ترتبط بعلاقة وثيقة من حيث توفير السيولة وسعر الفائدة كعائد على الاستثمار.

من ناحية أخرى، فإن الدول العربية النفطية استثمرت في الأسواق المالية الغربية لا سيما السوق الاميركية أكثر من 400 بليون خلال السنوات الأربع الماضية من فائض عوائد النفط.

وليس من باب التفاؤل، لكن ليست جميع هذه الاستثمارات عرضة للضياع بل جزء بسيط منها، فحسب تقديرات لتقرير مجلة الاوبزيرفر "لن يتجاوز حجم الخسارة للصناديق العربية والآسيوية أكثر من 4 مليارات دولار".

من الصناديق العربية التي تعرضت للخسائر هيئة استثمار أبو ظبي وهيئة استثمار قطر، وكلاهما دول تنعم بمصادر دخل من النفط والغاز عوضتهما عن هذه الخسائر.

وتعتبر دبي من أكثر حكومات الإمارات المستدينة في المنطقة نتيجة التوسع الكبير لمدينة دبي في الأعوام الماضية، وانعدام مصادر الدخل الأخرى اذ زادت نسبة الدين في دبي 42 % إلى الناتج المحلي الإجمالي في عام 2007، بالمقارنة مع أبوظبي حيث نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي لا تتعدى 3% والسعودية 6% والكويت 10% والبحرين 23% وقطر 13% وبهذا فإن ديون دبي ستكون ازدادت نتيجة للأزمة بحوالي 50 بليون دولار أيضاً لا يوجد لدى دبي أي مصادر دخل أخرى من النفط أو الغاز كالدول الأخرى مما يعني أن شحّ الاقراض وهدوء سوق العقارات سيؤديا معاً إلى زيادة محدودية السيولة فيهم. ومن جهة أخرى فإن دبي تستطيع أن تستفيد من وضع أبوظبي التي تملك 90% من احتياطيات النفط في دول الإمارات في حال تعمّق الأزمة.

وبما أن لدول الخليج تاريخا إيجابيا في التعامل مع الأزمات المالية والمصرفية، فإن من المتوقع أن تتدخل الحكومات بالتعامل مع هذه الأزمة ومنع تعميق آثارها على الاقتصاد في الخليج.

فلقد أكد وزراء المالية ومحافظو المصارف المركزية الخليجيون قبل أيام متانة الوضع المالي والاقتصادي في دول مجلس التعاون، وتوقعوا استمرار النمو بمعدلات جيدة مع استمرار مخصصات الإنفاق على المشاريع التنموية للدول الأعضاء وتسارع وتيرة الدور الذي يلعبه القطاع الخاص في التنمية.

وضخت حكومات دول مجلس التعاون، وبشكل منفرد، مبالغ كبيرة من المال في البنوك. ووعدت الإمارات بضخ 120 بليون درهم في قطاعها المصرفي وضمنت جميع الودائع في بنوك البلاد، فيما ضخت السعودية في مصارفها ما بين بليونين وثلاثة بلايين دولار، وضمنت جميع الودائع المصرفية بعد أن خفضت مؤسسة النقد السعودية معدل الاحتياط الإلزامي الذي ينبغي على المصارف التجارية السعودية المحافظة عليه مقارنة بودائعها من 13 الى 10%.

من جانبها، قررت قطر ضخ 3.5 بليون دولار في نظامها المالي، كما أعلن صندوقها السيادي عزمه شراء أسهم في المصارف المحلية. البحرين من ناحيتها وضعت مبالغ على ذمة البنوك التي تحتاج سيولة، وأعلنت الحكومة الكويتية أنها تضمن الودائع المصرفية في حال تبين ضرورة ذلك.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق