الاثنين، 14 يونيو 2010

الشرق الأوسط: سوق العقارات في سورية في حالة جمود

تحدثت صحيفة الشرق الأوسط عن حالة الركود التي أصابت سوق العقارات في سورية بعد الفورة التي شبهتها بالفقاعة في السنوات الخمس الماضية وجاء في تقرير لمراسلة الجريدة من دمشق:

«انفجرت الفقاعة ودخلنا مرحلة ركود»، هكذا قال أحمد، صاحب مكتب عقاري، وذلك على الرغم من حرصه على القول لزبائنه إن «حركة السوق معقولة مع أن الأسعار لم تشهد سوى انخفاض طفيف»!! فهو لا يريد أن يعطي للزبون انطباعا بأن عملية شراء وبيع العقارات شبه متوقفة والطلب على الإيجار ضئيل لا سيما خلال فصل الشتاء، لأن هذا «باب رزق»، لكن عندما يتحول الحديث إلى مجرد تداول معلومات من دون غرض تجاري يكشف أحمد عن أسباب الركود من منظوره الشخصي، فيقول إن موجة كبيرة ضربت السوق أدت إلى ارتفاع الأسعار بشكل جنوني. بعد سلسلة أحداث شهدتها المنطقة بعد احتلال العراق وتدفق مئات الآلاف من اللاجئين العراقيين إلى دمشق، ومن ثم الأزمة في لبنان وعودة جزء كبير من الرساميل السورية التي كانت مودعة في البنوك اللبنانية، بالإضافة إلى العقوبات الاقتصادية التي جعلت كثيرا من الرساميل تعود من الخارج إلى الداخل، وامتصاص الاستثمار العقاري الحصة الأكبر منها، وأيضا توجه المستثمر العربي في سورية نحو العقارات، نتج عنه ظهور عشرات الجمعيات السكنية.. إلخ؛ كل ذلك ساهم في ارتفاع الأسعار وتنشيط حركة السوق على مدى خمس سنوات بدأت خلالها في تنفيذ مشروعات كثيرة قبل أن تأتي الأزمة المالية العالمية، ومن ثم فرض قيود على تدفق اللاجئين بالإضافة إلى عوامل أخرى وهي غلاء المعيشة الناجم عن المرحلة الانتقالية من الاقتصاد الموجه إلى الاقتصاد المفتوح، لتلقي بظلالها الثقيلة على سوق العقارات وتدخلها في حالة من الجمود، فمن وصل سعر عقاره إلى أكثر من 50 مليونا لن يبيعه الآن، وعلى الرغم من الركود، بأقل من ذلك. حيث لا تزال تلك الأسعار محافظة على السقف الذي وصلت إليه، ففي منطقة جرمانا التابعة لريف دمشق ارتفعت الأسعار بنحو خمسة أضعاف خلال 2005 – 2007، وكذلك في صحنايا ومشروع «دمر» وامتداد قدسيا، ووصلت في قلب دمشق إلى أرقام خيالية، فمثلا وصل سعر المتر التجاري في منطقة تنظيم كفر سوسه إلى مليون ليرة، بينما وصل سعر المتر السكني إلى 200 ألف ليرة (الدولار يعادل 47 ليرة).


جاكلين وأختها قررتا بيع منزلهما الصغير (60 متر) الواقع وسط سوق الشعلان التي تعد من المناطق التجارية الغنية في دمشق، ويتراوح سعر المتر السكني فيه بين 3000 و4000 دولار، تقول جاكلين إنها عرضت بيتها «للبيع منذ أكثر من سنة ولغاية الآن لم يأت مشتر جاد. الكل يأتي وبعد أن يعبر عن إعجابه بموقع المنزل يذهب ولا يعود». مع أنها خفضت السعر الذي عرض عليها قبل أربعة أعوام ورفضته حينها، وهو سبعة ملايين ليرة سورية، فهي تطلب الآن ستة ملايين، بينما قيمته حسب الأسعار الرائجة الآن لا تتجاوز الأربعة ملايين ليرة. هذا المثال البسيط يعكس حالة السوق عموما التي لا تزال تحتفظ بأسعار لا تتناسب مع الدخل ولا الاحتياجات اللازمة للكثافة السكانية في المدن. وعمليات الشراء والبناء، لم تعد تتم إلا من قبل المضطرين إلى ذلك، بسبب نقص السيولة في السوق السورية، وأصبحت أسعار العقارات تخضع لمعايير نسبية. وأما شركات التطوير العقاري، التي دخلت السوق السورية، وهي في أغلبها خليجية، فقد بقي معظم مشروعاتها؛ إما مخططات على الورق، أو في مرحلة التأسيس الأولى، بسبب تأثرها بالأزمة المالية العالمية مما ساهم في زيادة جمود سوق العقارات في سورية.


المهندس عدنان حمود يقول إن الجمود في قطاع العقارات في سورية هو جزء من الأزمة العالمية التي ضربت هذا القطاع، ويضاف إليها مشكلة غياب القوانين المنظمة إلى جانب عوامل أخرى منها «ارتفاع أسعار مواد البناء وعدم وجود أراض معدة للبناء بسبب التأخر في إصدار المخططات التنظيمية‏». من جانب آخر، لم تساعد، كثيرا، القروض السكنية التي تعرضها البنوك والمصارف الخاصة على المواطنين خاصة ذوي الدخل المحدود، في تحريك الركود، والغالبية من المواطنين ينظرون إليها على أنها خيالية وبعيدة عن الواقع، إذ تضع شروطا تعجيزية للحصول على القرض، إلا أن الحكومة السورية مع بداية العام الحالي اتخذت مجموعة من الإجراءات لم تثمر بعد؛ منها طرح المصرف التجاري السوري لـ«القرض العادل»، الذي يقوم المستفيد منه بإيداع 30% من قيمة القرض في المصرف تعاد إليه بعد انتهاء مدة السداد على أن يقوم المصرف بتسديد ثمن المنزل، والضمانة العقار ذاته، إلا أنه، وكما يقال: «الشيطان يكمن في التفاصيل»، وفي التفاصيل هناك شروط ليست سهلة، لكنها لا شك أرحم من شروط المصارف الخاصة. كما أعلنت الحكومة عن إنشاء هيئة للإشراف على التمويل العقاري تضطلع بإصدار تشريع يسمح بتأسيس والترخيص لشركات التمويل العقاري في سورية بغية المساهمة في توفير التمويل المناسب للمواطنين لشراء مساكن، وتنمية المدخرات في القطاع العقاري والعمل على تنظيم سوق التمويل العقارية، وبحسب ما قاله وزير المالية السوري محمد الحسين: «إحداث الهيئة خطوة أولى لضبط السوق العقارية قبل البدء بإصدار التشريعات اللازمة».


وهكذا ستكون السوق العقارية أمام جهتين ناظمتين لعملها؛ هما هيئة الاستثمار والتطوير العقاري التي تهتم بتوفير عرض أكبر للمساكن من خلال الترخيص للمطورين العقاريين، وهيئة الإشراف على التمويل العقاري التي تهتم بتوفير طلب أكبر على المساكن من خلال الترخيص لشركات التمويل العقاري. لكن هل هناك من يأمل في انخفاض الأسعار، تمنيات المواطنين تعمم شائعات عن انخفاض حاد في الأسعار، وهو ما يجعل هاني (موظف قطاع خاص) يتريث في شراء شقة صغيرة في دمشق ويقول إنه لم يعد قادرا على تسديد الإيجار كل شهر والانتقال من سكن إلى آخر، لكن أسعار «البيوت لا تزال أكبر من قدرتي حتى لو حصلت على قرض عادل أو غير عادل» ويضيف متحسرا: «أشعر أنني إذا تمكنت من الحصول على قرض واشتريت شقة فسأقضي عمري وأنا أتسول»، بينما يروج أصحاب المكاتب والشركات العقارية أن الأسعار لن تنخفض بل ربما ستشهد ارتفاعا مع اقتراب موسم الصيف حيث تنشط السوق.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق