الخميس، 10 يونيو 2010

هل تتحول دبي إلى ممتلكات عقارية ظبيانية ؟

عام 1830م كانت دبي الحالية عبارة عن قرية صغيرة ترتمي على شريط ساحلي ممتد على الخليج العربي ويقع موقعها تحديدا في ما يعرف برأس الشندقة الذي هو بدوره عبارة عن امتداد رملي عند مدخل ما يعرف حاليا بخور دبي.
في هذه القرية استقرت مجموعة من قبيلة بني ياس نازحة من واحة ليوا لتعمل في مهنة صيد وتجارة اللؤلؤ الطبيعي الذي كان رائجا في ذلك العصر قبل اختراع اللؤلوء الصناعي خلال عقد الأربيعينيات من القرن العشرين.
ومنذ ذاك الحين كانت المرجعية القيادية تعود لعائلة آل مكتوم التي ساهمت بقدر كبير في تنويع الأنشطة التجارية بالمنطقة ورسخت مفهوم إدارتها باسلوب تجاري ليبرالي حر بعيدا عن الإستغراق في الأحلام والطموحات والتحالفات السياسية التي لا طائل من ورائها بالنسبة لإمارة محدودة السكان والمساحة....
على هذا النحو الإداري الفريد تطورت القرية حتى باتت منذ عام 1870م ومع مطلع القرن العشرين ذات شهرة إقليمية وعالمية مدوية راسخة بأسواقها الحرة الكبرى الممتدة على ساحل الخليج.
في عام 1966م اكتشف البترول في إمارة دبي بكميات تجارية ويبلغ حجم صادراتها النفطية يوميا في حدود 200,000 برميل . أما الاحتياطي المؤكد الذي تملكه دبي من الثروة النفطية فيبلغ 4 مليارات برميل فقط ؛ كما تمتلك احتياطي ضخم من الغاز يبلغ حجمه 4.1 تريليونات قدم مكعب.
منذ عام 1990م تاريخ تولي المرحوم الشيخ مكتوم بن راشد الحكم ، عهد إلى شقيقه الشيخ محمد بن راشد حاكم دبي الحالي ورئيس وزراء دولة الامارات العربية المتحدة ... عهد إليه كافة المهام الجسام المتعلقة بتصورات وتنفيذ رؤية جديدة لدور دبي التجاري والاقتصادي في الساحة العالمية. فبدأ ما يعرف بالمشروع (النموذج) الذي كان في باكورة ميتداه يبشر بثمار واعدة ... وكاد أن يمضي كل شي إلى هدقه كما هو مبتغى له إلا أن الأزمة المالية العالمية أو ما يسمى بأزمة الائتمان العقاري في الولايات المتحدة قد قضت (وإلى غير رجعة) على كثير من الأحلام والآمال والإنجازات في إمارة دبي ... فليس من السهل بعد إعلان كبرى شركات حكومة دبي عجزها عن سداد مديوناتها ... ليس من السهل أن يمضي الحال على ما هو عليه أو أن تعود عقارب الساعة إلى الوراء بهذه البساطة والسرعة فرأس المال جبان والثقة التي تتزعزع يصعب إعادة بنائها من جديد في عالم المال على نحو خاص.

نظرية المؤامرة:
قبل الخوض في تفاصيل أكثر ؛ فإن نظرية المؤامرة في سقوط حلم دبي ليست واردة تماما ؛ على الأقل بالنسبة للخبراء الماليين والمحللين المحترفين . ذلك أن المسألة ليست (إفلاس دبي) كما قد يتبادر إلى ذهن البعض ..... كيف؟ ......الإجابة هي أن دبي لم تخسر أموالها بقدر ما خـسر المستثمرون الأجانب أموالهم التي أقرضوها لشركات حكومة دبي كي تستثمرها لهم في جوانب إقتصادية متنوعة أهمها مجال العقار والسياحة والصناعات التحويلية والألكترونية ..... ومعظم هؤلاء المستثمرين عبارة عن بنوك وشركات أموال وأفراد يتركزون في دول شرق آسيا وأستراليا... وبعضهم من حكام أفريقيا.

السبب المباشر للمشكلة:
السبب المباشر للمشكلة هو أن الشركات التابعة لحكومة دبي التي اقترضت أموالا ضخمة قامت باستثمارتها داخل دبي على نحو خاص في بناء وتشييد العديد من الأبراج السكنية والتجارية الباهظة التكلفة . والمرافق السياحية من حدائق وملاهي ومشاريع البنية الأساسية المؤهلة من قبيل شق الطرق الحديثة وتوسعة المطار القائم والشروع في بناء آخر أحدث وتوسيع المواني البحرية ...... وحيث إتضح فيما بعد أن كل ما تم بناؤه إنما كان على رمال متحركة تهاوت بمجرد حدوث الأزمة المالية العالمية. وبالتالي تراجعت أسعار هذه العقارات أيضا في دبي ولم يعد أحد يرغب في شرائها سواء بغرض الاستجمام والترفيه أو لغرض تأجيرها للسياح . وبالتالي لم تسترد هذه الشركات ما قامت بإنفاقه على البناء والتشييد ، ومن ثم انعدمت لديها السيولة التي تمكنها من تسديد أقساط القروض وفوائدها المستحقة سواء عن شهر ديسمبر الحالي أو عن السنوات القادمة المجدولة لأقساط حتى عام 2013م.


الوضع القانوني لشركات حكومة دبي:
تختلف طبيعة الأموال التي اقترضتها شركات حكومة دبي عن تلك التي تقترضها الدول عادة من صناديق الإقراض الكلاسيكية من أمثال صندوق النقد الدولي ..... فهذه الأموال التي اقترضتها شركات تابعة لحكومة دبي لم تكن بهدف التنمية النمطية . بل كانت عبارة عن قروض إستثمارية تم ترجمتها إلى عقارات في شكل ابراج ومجمعات سكنية وتجارية وسياحية أو بما معناه (أصول ثابتة) في المصطلح الاقتصادي . وبالتالي فإنه إذا عجزت هذه الشركات في النهاية عن سداد مديوناتها للمقرضين وأرباحها لحملة الأسهم فإنه ينبغي أولا وضع هذه الشركات المقترضة تحت طائلة الإفلاس المالي. ويعقب ذلك تعيين مصفي قانوني من قبل المحكمة . وبحيث يعمل على تسييل أصولها ببيعها في المزاد العلني وتوزيع عائدها على حملة الصكوك والدائنين وفق قسمة الغرماء .... أما أصحاب الأسهم في رأس مال هذه الشركات فقد خسروا أموالهم وليس لهم حقوق إلا ما قد بفيض عن حقوق الدائنين.

رغبة الدائنين:
يتطلع الدائنون الآن إلى تحاشي فرض الإفلاس على شركات حكومة دبي الاستثمارية وهي بوجه خاص (دبي العالمية) و (نخيل العقارية) .... على أمل أن تقوم حكومة أبوظبي بسداد هذه القروض عوضا عن دبي ...... ويبدو أن البعض لا يعرف طبيعة الاتحاد بين الإمارات السبع ؛ والذي هو في حقيقة الأمر إتحاد فضفاض يترك لكل إمارة حرية العمل منفردة دون تدخل أو مسئولية من قبل السلطة الاتحادية ..... بل وحتى في مجال مفهوم المواطنة .. فإنه لا يشترط إن كنت تحمل الجنسية الإماراتية أن تكون ضمنيا أحد مواطني أبوظبي .... ومواطن أبوظبي على سبيل المثال هو إماراتي ولكنه ليس من مواطني دبي ..... وهكذا الحال بالنسبة للبقية فمواطن عجمان هو إماراتي ولكنه ليس من مواطني الشارقة أو من مواطني دبي أو أبوظبي .... ومواطن أم القوين هو إماراتي ولكنه ليس من مواطني دبي وعجمان والفجيرة ... وهلم جرا..... ومعنى المواطنة هنا أن تتمتع بكافة الامتيازات الخاصة في الإمارة التي تتبع لها كمواطن بما في ذلك "الرعاية الأبوية" . لاسيما في مجال توزيع الأراضي والمساكن المجانية ؛ والهبات والعطايا المجانية ، إضافة إلى تقلد المناصب القيادية والحساسة في الإمارة ، والرتب الأمنية والعسكرية والاستخباراتية على سبيل المثال لا الحصر...... وفي كافة الأحوال فإنه ليس على أبوظبي أو دولة الامارات العربية المتحدة فيما جرى لنموذج دبي من إخفاقات أية مساءلات أو مسئوليات قانونية وأخلاقية.

هل تصبح دبي ممتلكات عقارية ظبيانية؟
كان من ذيول الحربين العالميتين أن تم تدمير معظم الدول الغربية الأوروبية فجاء المستثمر الأمريكي واشترى وشيد معظم العقارات والأبراج في عواصم ومدن دول أوروبا الغربية وهو ما جعل دونالد رامسفيلد وزير الدفاع الأمريكي خلال فترة غزو العراق يهزأ من قيمة المعارضة الأوروبية لهذه الحرب بقوله أن عواصم أوروبا الغربية في حقيقة الأمر ليست سوى (ممتلكات عقارية أمريكية) .
وعلى هذا النحو والمفهوم ربما تعمل حكومة ابو ظبي على شراء ممتلكات واستثمارات شركات حكومة دبي المتعثرة وفق قيمتها الدفترية (وليست السوقية المنهارة) . وتسديد ديونها مباشرة إلى المقرضين والدائنين سواء مع الفوائد أو بعد تجنيبها بحسب الأحوال وقدرة حكومة أبوظبي على المناورة لتحقيق أقصى استفادة عبر مساومة الدائنين ...... وبالتالي تتحول إمارة دبي عمليا إلى ممتلكات عقارية ظبيانية بعد أن إنتهى عصر (دبي النموذج) ليبدأ عصر جديد في ظل قناعات حكومة إمارة ابوظبي وليس حكومة الإمارات المركزية .... ولا يعرف كيف سيكون فيه المسار السياسي بين حكومة إمارة دبي وحكومة إمارة أبوظبي.

مستقبل دبي:
إنتهت فترة (فقاعة الصابون) في دبي ... ولكن من المستبعد بالطبع إفلاس حكومة دبي وفق مفهوم ما جرى لمصر في عهد الخديوي إسماعيل باشا الذي كان يحلم بنقل مصر إلى مصاف الدول الأوروبية فاقترض حتى الثمالة ورهن في سبيل ذلك أسهم مصر في شركة قناة السويس ... ومن ذلك الحين كبرت كرة ثلج أطماع الاحتلال البريطاني والفرنسي والتدخلات الأجنبية في مصر إلى أن أدى ذلك لاحقا إلى شن العدوان الثلاثي عليها في عهد عبد الناصر عام 1956م بحجة تأميم عبد الناصر لشركة قناة السويس . ولكن الظروف السياسية والمتطلبات والتشابكات الاقتصادية تختلف هنا في حالة إمارة دبي وذلك لعدة اسباب تم الإشارة إليها أعلاه . بالإضافة إلى أن لدى دبي إحتياطي مؤكد من البترول يبلغ 4 مليار برميل وكذلك 4.1 ترليونات قدم مكعب من الغاز .... ولكن الذي لامحالة حاصل هو ولوج دبي فترة من الركود الاقتصادي والاكتفاء بأداء دورها الأساسي القديم كمنطقة أسواق حرة وترانزيت دون التفكير في خلق طفرات دراماتيكية.

برج دبي ... جزء من نفقات باهظة فوق رمال متحركة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق